من خلال زجاج نافذة غرفتي جلست أنظر إلى تساقط المطر أمام باب بيتنا وكأنه لؤلؤ على الأرض ، كم كان المطر يعني لي الكثير فرحة اللقاء واللعب والأمل والتفاؤل فلماذا اليوم أحس به كأنه رصاصة تميت قلبي الممتلي بالأحزان .
قصتي بدأت في يوم لطيف والأرض مبللة بقطرات المطر وأوراق الأشجار ذات اللون الأخضر الصافي بعد أن غسل المطر من بين وريقاتها الغبار ، منظر رائع لم ولن يغيب من ذاكرتي .
بداية قصتي :
... أبي أبي اليوم الجو لطيف والسحب تملا السماء فلماذا لا نذهب لرحلة إلى الوادي سنستمتع بالمنظر وسألعب مع أختي ما يحلو لي من ألعاب ؟
نظر إلي والدي نظرة حنان وضمني إلى صدره ، حسننا يا حلوتي لقد أحسنت القول سنخرج لرحلة أسرية رائعة وخذي كل ما يحلو لك حمله لأننا سنقضي كامل يومنا في الاستمتاع بالجو الرائع .
قفزت فرحة أنادي على أختي التي قامت بسرعة سعيدة تجمع الألعاب والملابس التي تريد أخذها للرحلة .
أما أمي فأخذت تعد طعاما وتجهز ما نحمله معنا من متاع وحاجات مهمة ، ووالدي ذهب إلى السيارة ليفحصها قبل الذهاب للرحلة .
كل الأسرة كانت كخلية نحل كلا منا اتجه لتجهيز ما يريده ويرغب في حمله للرحلة .
بعد مدة سمعت أبي ينادي ويقول : الآن الساعة العاشرة صباحا هيا لنذهب لرحلتنا في هذا الجو الرائع إلى الوادي .
ركبنا السيارة وكنت احمل بين يدي مذكرة وقلما لأكتب ما أراه من مناظر وما سأشاهده لكي أعبر عنه أمام معلماتي وزميلاتي في المدرسة ،وأحمل معي ألة تصوير لألتقط صورا رائعة للرحلة لتظل ذكرى رائعة عندما أكبر .
تحركنا وسرنا نحو الوادي كنت سعيدة وأختي الصغرى تسألني عن كل ما يخطر في بالها من أسئلة واستفسارات لكل شيء تراه حولها وأمي وأبي يتحدثان عن الأمطار وكم يوما ستستمر في بلادنا .
مر الوقت ونامت أختي على مقعد السيارة .
بينما أنا ظللت أنظر من نافذة السيارة إلى الخارج لأرى منظر بلادي الجميل من جبال وهضاب وأودية .
بعد ساعة من انطلاقنا ولم يبقى أمامنا إلا مسيرة ثلاثة كيلومتر عن مكان الوادي كما سمعت من أبي ، رن هاتف أبي المحمول فرد على الاتصال وأخذ يتكلم بصوت مسموع وبكلام لم أفهم معناه ولم أذكر كلماته .
وكانت أخر ما اذكره إني طلبت منه ألا أن لا يتكلم في الهاتف إلا بعد أن تقف السيارة ولكنه لم يسمع كلماتي لعلو صوته في المكالمة وأمي تشير بيدها تجاهه طالبة منه أن ينتبه في الطريق ولا يتكلم في الهاتف لأن الشارع زحمة ولكن أبي لم يستمع لها ولم يتوقف عن الكلام في الهاتف.
وما هي إلا لحظات حتى شعرت بخروج السيارة مسرعة إلى خارج الشارع وأنا أنادي أبي أمي وكأن الدنيا تدور من حولي وأسمع صرخات أمي تناديني أنا وأختي.
وانتهى الموقف أمام عيني لأستيقظ بعد ثلاثة أيام في المستشفى وأخذت أسال عن أمي وأبي وأختي ولكن لم أرى إلا العيون التي تملؤها الدموع والشفقة من الممرضات اللاتي حول سريري.
وأخذت أصرخ وأنادي أين أحبابي أين أمي الحبيبة ؟ أين أنت يا الغالي أبي؟ أين رفيقة دربي أختي؟ أين أين .؟؟؟
... ووسط ندائي لم أشعر إلا بيد تضغط على يدي ولما انتبهت نظرت إليها إنها جارتنا تعمل ممرضة في المستشفى وفي حضنها طفلة مكسورة اليد والرجل ووضع رباط على رأسها .
أخذت أنظر بتركيز إلى هذا الموقف وكأني في حلم لا حقيقة وأسال نفسي ماذا يحدث ؟ أين أنا ؟
وبعد لحظة نظرت للطفلة ... إنها أختي ولم أستطع الكلام بل كانت دموعي من يتحدث عن حزني .
وأخذت أرفع يدي تجاه أختي وعندها قالت الممرضة هيا استعيدي صحتك يا حبيبتي فأختك تنتظرك لتكوني لها الأب و الأم بل تكوني لها كل حياتها .
عمري عشرة سنوات ولكن صدمة الموقف كانت كافية أن أعرف من كلماتها إن أعظم ما أملك قد رحل عني رحل أبي رحلت أمي الحبيبة.
نعم رحلا .. لأجد نفسي أمام حياة جديدة مليئة بالأحزان والذكريات المؤلمة، بل حياة أشعرتني بحجم المسؤولية التي ألقيت على نفسي وأنا طفلة منذ أيام لا أنام إلا على حكايات أمي ولا أنهض إلا على نداء أبي ..وأقضي معظم يومي بين الدراسة ومشاهدة الرسوم المتحركة وبين اللعب مع أختي ..
أما في هذه اللحظة فقد أصبحت بعدها أم وأب لأختي الصغرى التي خبأت عنها حزني ودموعي كلما كانت تسألني عن والدي ووالدتي .
مر على الحادثة ثلاث سنوات ولكن دائما ما أكرر في قلبي مهما كان فلن يكون أحد كأبي ولن أجد قلبا أحن من أمي ولن تعود ابتسامتي إلى شفتي ولن أرى الأفراح في حياتي ...
بل سأضل أرعى أختي وأتجول في ساحات بيتنا لأرى خيال أمي وأبي يملى المكان .. أحبكما يا أغلى ما أملك كنا على بعد ثلاث كيلومترات عن الوادي ولكن الموت كان أقرب ...
اعذريني يا قطرات المطر لم تكوني في قلبي مثل الأمس ولم أحن لرؤيتك مثل الماضي بل أصبح منظرك يعيد في خاطري ذكريات حزينة حزينة جدا بحجم هذا الكون الواسع .
إعداد الطالبة : مي عبدالله حمود السلماني
مدرسة الرستاق للتعليم الاساسي